قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَاكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (يونس: ٢٤) .
نحن جميعاً نعيش في هذه الحياة .. ولكن كثيراً منا لا يدرك حقيقتها .. إنها تبدو واضحة في هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل، وإنها لكذلك فما تكاد تحلو وتبلغ النهاية في الجمال واللذة والسعادة، وينعم أهلها بها، ويغترون بها حتى تنقلب عليهم في لحظة واحدة، ويتغير صفوها إلى كدر، ولذتها إلى ألم، ونضرتها إلى ندم، لأن الموت هو نهاية كل حي، وهو الأمر الذي لا ينكره أحد، ولا يشك فيه وقوعه إنسان .. وقد جعل الله الأمل في المخلوقات ليعيشوا أعمارهم ويعمروا الكون فعلى الإنسان أن يعمل في هذه الحياة، لما بعدها فما هي سوى متاع وفيء زائل وما بعدها هو المستقر فإما سعادة دائمة وإما شقاء دائم، وشتان ما بين الجنة والنار .. والفرصة متاحة لكل إنسان أن يختار لنفسه ما يشاء.
وقد تغبط المجاهدين في سبيل الله، الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس والذين أثنى عليهم الرحمن، ووصفهم بقوله جل من قائل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (الصف: ٤) ولعظم أمر الجهاد في سبيل الله فقد ورد ذكره في القرآن الكريم، في اثنين وثلاثين موضعاً تقريباً والأدلة الواردة في هذا كثيرة منها :
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ} (التوبة: ٣٦) .
وقوله: {انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: ٤١) .
فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو مطلوب دائماً في هذا الزمان، لأن الملهيات والشهوات قد كثرت، وابتعد الناس عن الإسلام وعمت الفتن الأرض وأعداء الإسلام فرحون مسرورون بما يحدث للأمة المحمدية، من ابتعاد عن شرع الله وحكمه وانقياد إلى هوى النفس.
فعليكم أيها المسلمون أن تجاهدوا بأموالكم وأنفسكم لإعلاء كلمة الله ورفع راية التوحيد خفاقة، لأن رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: “واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف” متفق عليه.
وأخبر أنه من لم يحدث نفسه بالجهاد أو ينوي الجهاد فقد اكتسب شعبة من النفاق، حيث قال: “من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق” . وقال صلى الله عليه وسلم “إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل .
لأن تربية الدين الإسلامي تفوق كل تربية، فهي التربية الروحية للفرد المسلم والتي جعلت المجاهدين من أصحاب النبي في قمة التضحية والفداء، ومن ذلك عمرو بن الجموح صحابي أعرج عرجاً شديداً، حارب في معركة أحد وهو معذور وهو يقول سأدخل الجنة بعرجتي هذه.
فأين أنتم أيها المسلمون اليوم؟!
أين عزتكم وكرامتكم؟ أنسيتم ماضيكم المجيد أم تناسيتموه؟! ذلك الماضي الذي سجله التاريخ في أنصع صفحاته، معارك الجهاد المقدس ضد الكفرة والملحدين، وأحسبكم ظننتم أن هذا الجهاد قد انتهى مستقبله بنهاية حياة أولئك الأبطال – صانعي المجد والعزة والكرامة – كلا والله ما انتهى ولن ينته بل سيظل قائماً بإذن الله تعالى.
فكم من شهيد كتب بدمه نصراً لدعوته ما كان يستطيع تحقيقه لو عاش مئات السنين في هذه الدنيا، وكم من شهيد أيقظ بموته أفراداً كانوا في سبات دائم، بل كم من شهيد أحيا بموته أمة وأزال عنها الذل والصغار فهذا هو النصر كل النصر وهذا هو الظفر كل الظفر، وأي نصر أعظم من أن يهون الأهل والعشرة في سبيل الله؟ أي نصر أعظم من أن يبذل العبد روحه في سبيل نصرة عقيدته، إنها قمة الانتصار على الذات والانتصار على متاع الدنيا وزخرفها.
أما آن لمن انساق وراء الشهوات أن يدرك هذا المعنى؟ فبمنظار هؤلاء تبدو الشهادة خسران عظيم، خسران للحياة بملذاتها ونعيمها وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات” رواه مسلم.
فترويض النفس وحملها على ما تكره هو طريق الجنة ودرجة الفوز بالشهادة لكن تسبقها درجات العبودية الحقة لله تعالى، وصدق النية مع الله عز وجل وبذل المال والوقت في سبيل الدعوة إلى الله، وبعدها يصبح العبد مهيئاً لأن يختاره الله وقوداً للدعوة إليه.
فالنظرة المؤمنة ترى الشهاد قمة الانتصار، وغاية الغايات كيف لا يكون ذلك والشهيد عند ربه حي يرزق {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: ١٦٩) . وقد كتب أبو بكر رضي الله عنه لخالد بن الوليد: “اعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة، ولا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون له نوراً يوم القيامة” .
وعن ابن مسعود يرفعه: “إن أروح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القنادي.
عبدالله المأمون